صور حب




منتدي صور حب
العودة   منتدي صور حب > اقسام الصور الــعـــامــة > شخصيات تاريخية - شخصيات مشهورة

إضافة رد
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2021
المشاركات: 18,894
افتراضي هل تعرف عن من حياة أبي المكارم ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري.....شخصيات تا





هل تعرف عن
 من حياة أبي المكارم ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري.....شخصيات تا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدنا ان نعرض لكم كل ما هو جديد في مجال المعلومات التاريخية و الشخصيات
كل ماهو جديد في المعلومات و التاريخ



ريخيه...عظماء التاريخ...شخصيات من التاريخ

من كتاب ( و ما بدلوا تبديلا , تفاصيل دقيقة عن جهاد الأمير عبد القادر الجزائري و دولته و هجرته ) للأميرة بديعة الحسني الجزائري , و هي حفيدة البنت الكبرى للأمير , الأميرة زينب التي تزوجت من ابن عمها السيد محيي الدين الحسني , ننقل الفصل الواحد و الخمسين و أرجو أن تسامحني المؤلفة عن النقل بدون إذنها , و إن كنت أظن أن ذلك عمل طيب يحرض على انتشار كتابها القيم أكثر , فنبدأ بعون الله :
على الرغم من المسؤوليات الجسام التي أنيطت بالأمير عبد القادر منذ 1832م في الجزائر , كان يتابع باهتمام الأحداث التي كان يمر بها العالم الإسلامي , و بة خاصة البلاد الشامية و شبه الجزيرة العربية . و عندما استقر في دمشق عاش تلك الهموم التي استفحل أمرها بعد 1840م . فأخذ يتقصى أسبابها الدفينة , و أدرك بما يملكه من وضوح الرؤية , أن العالم الغربي بعد نهضته الصناعية كان يحتاج أسواقا لمنتجاته و خامات لمصانعه . فأخذ يخطط لاستعمار هذه البلاد بحملات و مؤامرات عديدة , مستعينا بخلق الفتن الطائفية العديدة و تغذيتها و إلهاب نارها غير مكترث بالضحايا البريئة التي تذهب طعاما لها , ما دامت تخدم أغراضه و سياسته الاستعمارية و أطماعه الاقتصادية .
و هنا لابد لي من الإشارة إلى أن الأمير عبد القادر كان يحترم الخلافة , و أن احترامه لها كان من منطلق إسلامي ديني بحت . و كذلك كان أبناؤه الذين كانوا يعدون الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني رمز الوحدة العربية و الإسلامية , لذلك استمروا على علاقتهم الودية بالسلطان . و وصل أربعة من أبناء الأمير عبد القادر إلى لقب باشا , و شغلوا مراكز مرموقة في عهده . و كان الولاة يحترمون الأمير و يعترفون له بصلاحيات واسعة في إدارة بعض شؤون البلاد الشامية و خاصة ما يتعلق بالمهاجرين . و كان يرى أن تصحيح الواقع و الأخطاء في الحكم يتم بفضل رأي من هم أكثر حكمة من بين العلماء و المفكرين المسلمين , و الأكثر قدرة على اقتراح الحلول المستنبطة من تجارب الماضي من جهة و المعتمدة على نظرة مستقبلية ثاقبة من جهة أخرى . و كان يقول :
الرجل العالم العارف يستطيع استشعار المستقبل من النظر و الرجوع به إلى أحداث الماضي في ضوء التواتر , و حقيقة علم التواتر هي التفكير بمحسوس يمكن وقوعه من خلال هذا العلم . و الإنسان الذي أوتي العلم و المعرفة يستطيع أن يستشعر المستقبل بما يملكه من سعة الرؤية أمامه التي تمكنه من إحساس و شعور و تنبؤ , و هو لدى بعض العلماء الفقهاء على جانب كبير من الدقة .
و يأمر الله تعالى بتوجيه عقل الإنسان نحو الكون للنظر فيه و التفكير باحثا منقبا , ليعود بذخيرة من المعرفة و نتائج عن الأكوان بما فيها , فيعمق مفاهيم جاء بها القرآن و يبصر الناس بالقوانين العلمية و السنن التي خلق الله الكون على أسس منها , و جاء بحضارة جديدة و علوم شتى , منها معرفة صلات الإنسان بالكون و بخالقه , و جعل العقل الحكم و البرهان , و نهى عن التقليد و الظن , و أعطى الإنسان حق اكتساب المعرفة , و حثه على الجهاد في سبيل الوصول إليها , و أمره بالعمل الصالح و تقوى الله لاستثمار تلك الموارد التي خلقها , و سخرها له بالحدود المؤدية إلى سعادته في حياته المؤقتة على هذه الأرض , و في حياته الخالدة بعدها .
قال الله تعالى (( ليس ألبر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون )) البقرة : 2/77 .
ذكر المفسرون أن الله تعالى أراد أن يوضح في هذه الآية لعباده , أن ليس البر أن تصلوا و تتعبدوا فقط من دون أن تعملوا , البر الذي أعنيه هو ما تقومون به من الأعمال الصالحات و ما ثبت في قلوبكم من طاعة لخالق السماوات و الأرض . و وصف القرطبي هذه الآية بقوله : إنها من أمهات الأحكام البينة إذ تضمنت ست عشر قاعدة فقهية .
و جاء في قوله تعالى بيان صريح للمسلمين (( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن )) الأنعام 6/151 .
و لاحظ الأمير أن الضغوط تتزايد على الإمبراطورية العثمانية , و أن التغلغل الأجنبي عبر القناصل و العملاء التجاريين في البلاد الشامية خاصة أصبح مزعجا لأصحاب الحرف و الصناعات المحلية , و أن احتكارات المحلات التجارية من جانب الطوائف غير الإسلامية يزداد باستمرار بمساعدة الوكلاء التجاريين الغربيين و بنفوذهم . كما لاحظ أن البعثات الدبلوماسية تتدخل بشكل غير معلن في هذه المجالات , و أن نفوذها يتصاعد , و أن السلع الأوروبية تغزو الأسواق و تنافس البضائع المحلية بتشجيع من بعض الولاة و بغض النظر من جانب بعضهم الآخر .
و كانت تلك الأمور تؤرق بال الأمير و هو يرى أن شبح الاستعمار و مآربه تقترب ليس فقط على المستوى الشعبي في هذه البلاد , بل إلى دار الخلافة في إستانبول , و إلى مساجدها و إلى رسالة تلك المساجد , و إلى مآذنها و نداءات الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح , و أن الخطر الداهم يتهدد هذه الأماكن و مكانتها في بنية المجتمع الإسلامي .
فكان الأمير في ندواته العلمية في الجامع الأموي و في دار الحديث النووي و في داره , كان في كل هذه الأماكن يحث الجميع على الحذر من المؤامرات التي تحاك في الظلام . و كان يشير إلى النبع و هو الشريعة الإسلامية , و يذكر قوله تعالى (( و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) البقرة 2/190 .
و كان يبصر الوجهاء و الأعيان بعواقب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد , و بأخطار الصدام المسلح بين الطوائف , و كان يدعوهم إلى عدم الوثوق بوعود الدول الأجنبية لأنه لا عهد لهذه الدول و لا ذمة و لا وفاء .
و كان يؤكد أن الأخطار هي أبعد مما يعانون من مصاعب الحياة و ما هو منظور في تلك الحقبة , لأنها تحيط بالأمة العربية والإسلامية ككل , و أن من الخطأ الاعتقاد من جانب بعضهم أن هناك خلافات بين الدول الأجنبية , و أن هذه الخلافات إذا وجدت فإنها خلافات ظاهرية فقط . أما في الواقع فالأمر غير ذلك . فعندما تؤيد بريطانيا الطائفة الدرزية , و تؤيد فرنسا الموارنة , فليس معنى هذا أن هناك خلافات , بل تسابق نحو هدف واحد هو إضعاف و تدمير هذه البلاد و تفتيتها إلى دويلات ثم اقتسامها بشكل أو بآخر . و الوقوف في وجه هذه المخططات و المحاولات لا يتم بتمهيد الطريق لها , و مساعدتها على تحقيق غاياتها . فالصدام المسلح في تلك الفترة بالذات بين أبناء الشعب الواحد يخدم هذه الأهداف الاستعمارية , و الحل هو التضامن .
و كان ينصح التجار و الحرفيين بتحسين إنتاجهم و تطويره ليواكب البضائع الأجنبية في الجودة , و كان يحثهم على الاكتفاء بالربح القليل كما جاء في الشريعة الإسلامية , و على التقيد بالقوانين الاقتصادية في الإسلام . و كان ينصحهم بألا يفسحوا في المجال للعدو لكي يداهمهم في عقر دارهم , و يهز أركان وجودهم الصناعي و التجاري . و كان يرى أن الوقوف في وجه هذه المصائب لا يكون بالعنف و القوة في تلك الفترة بالذات , بل بالعمل المجدي و التعاون و توسيع المدارك بالعلم و المعرفة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و البغي , و الحفاظ على الدين الإسلامي و التمسك به قولا و عملا , و البعد عن الغرور و التعصب و الغلو و عدم إثارة المشاعر العقائدية بالتحدي و العدوان , لأن ذلك سيصب في جعبة المخطط الاستعماري المعادي للأمة الإسلامية و يساعد في نجاحه .
و نصح الجميع بالتمسك بالأرض , و بالبعد الحضاري لهذه الأرض العربية الإسلامية , و برائحة ثراها عندما يشقه المحراث , و بغرس كل ما يورق و يثمر .
نصحهم بعدم التمادي في زرع الدمار و الخراب و الأحقاد و كل ما يذوي و يضمحل و يحترق و يصبح رمادا , مما يجعل البلاد لقمة سائغة في فم الاستعمار . و كان يتكلم و كأنه يقرأ هذا المخطط في كتاب أسود بين يديه , و ينطوي هذا المخطط على ضرب الإمبراطورية الإسلامية العثمانية من الداخل , و تفتيتها إلى دول تسهل الهيمنة عليها , ثم تحجيم الإمبراطورية العثمانية و بتر جذورها العربية بتغيير أبجديتها و استبدال اللاتينية بها , لتصبح دولة من دون تراث حضاري مقطوعة الجذور تابعة لكل ما هو أجنبي .
و لكن الأمير لاحظ أن الأمر قد خرج من أيدي الأعيان و الوجهاء , لذلك أعد للأمر عدته و تأهب لكل احتمال معاد . فجمع كل قادر على حمل السلاح من المهاجرين الجزائريين , و طلب تدريبهم على إخماد الحرائق , و على عمليات الإنقاذ بالدرجة الأولى , و اشترى لهم السلاح . و عندما تناهى إلى مسامعه ذات صباح أن الجموع تتجه نحو حي القصاع , استدعى فرسانه الأشداء , و خرج هو و أبناؤه كلهم , و قاد بنفسه حملة إخماد الفتنة الطائفية , و وزع المهمات على رجاله , و كان للثواني أهمية قصوى في تلك الساعة .
و عندما وجد أن السلاح الذي اشتراه من البدو و الحوارنة و سلم رجاله إجازات بتوقيعه –
مازالت إحدى هذه الرخص في حوزة الأستاذ هاني المبارك بدمشق – لا يكفي , أخذ مفتاح القلعة من الوالي أحمد باشا الذي كان يقوم بدور حياد سلبي في تلك الفترة من تاريخ البلاد , و استولى فرسان الأمير على أسلحة فردية ساعدتهم على حراسة أبنية السفارات الأجنبية في دمشق و نقل البعثات و الدبلوماسيين إلى دور الأمير في حي العمارة ( زقاق النقيب ) , و أشرف بنفسه على عمليات الإنقاذ و إخماد الحرائق التي بدأت تشتعل في بعض المنازل في حي القصاع . و كان فرسان الأمير الجزائريون يقتحمون النيران لإنقاذ السكان و نقل الأمهات و الأطفال إلى الأديرة في جبل لبنان . و كان الأمير يتجول بين الأحياء غير مبال برصاص القناصة و الطلقات الطائشة و هو على ظهر حصانه يصدر الأوامر حتى بلغ عدد من نقلوا إلى دوره في حي العمارة , خمسة عشر ألفا بين رجل و امرأة . و عندما غصت الدار بهذا العدد الكبير من السكان نقل بعضهم إلى القلعة .
و في اليوم الثالث قامت الجموع بمهاجمة حي العمارة . فخرج إليهم الأمير , و ما إن وقعت عليه الأنظار حتى ألقى الله الرعب في قلوب الجموع المهاجمة , فعادوا من حيث أتوا . و قبض فرسان الأمير على بعض منهم . و كم كانت دهشة الأمير كبيرة عندما اكتشف أن بينهم عددا من المسيحيين اللبنانيين , فسأل شابا كان يتقد حماسة هستيرية ما الذي جاء به إلى هذه المعركة المشينة ؟ فأجاب بعد نقاش معه :
و ما السبيل إلى القضاء على هذه الدولة العثمانية سوى جعل الحكم غير مستقر في البلاد و زعزعة أركانه . إن فرنسا تريد الأخذ بيدنا نحو حضارتها , و ما جنودها في ميناء بيروت سوى رسل لهذه الحضارة .
أمر الأمير عبد القادر بإخلاء سبيل هؤلاء لكي يعودوا إلى من يهبونهم قشور الحضارة و يسلبونهم الكرامة و الحرية . و راعه أن يجد أن البلاد قد أصبحت في محنة حقيقية . و كان عليه معالجة الأمر بما أوتي من شجاعة و حكمة و موهبة في القيادة و الحوار مع أقطاب الحكومات الأوروبية بعد أن تأكد من أن القوات الفرنسية وصلت إلى رياق في طريقها إلى دمشق , فامتطى صهوة جواده خفية و أخذ يقطع الجبال و الوديان لا يهاب وحشة الليل أو وعورة الطريق , و كأن برفقته آلاف الرجال و آلاف البنادق . و عندما وصل إلى قرية
( قب إلياس ) أرسل من يخبر الجنرال بوفور قائد الحملة الفرنسية بوجوب الاجتماع به , و عين له المكان .
و كان مشهدا للقاء جزائري – فرنسي على مستوى سياسي و عسكري . و طلب الأمير من الجنرال أن يخبر حكومته بأن دخول قواتها دمشق , أو قيامها بأي تحركات عدائية يلغي كل تعهد من قبل الأمير للإمبراطور لويس فيليب ( لويس نابليون ) بعدم العودة إلى الجزائر , و أن الأمير سيكون أول المقاومين لأي حملة عسكرية تهاجم البلاد . و كان على الجنرال أن يخبر حكومته التي أعادت حساباتها بعد هذا الإنذار . لأن إلغاء التعهد يعني احتمال عودة الأمير عبد القادر إلى الجزائر و عودة الحرب الضروس إليها .
من المصادر التي ذكرت هذه الحادثة كتاب ( تحفة الزائر ...) الذي حضر مؤلفه ذاك الاجتماع إلى جانب والده الأمير عبد القادر كما ذكر . أما الصحافة الفرنسية فلم تذكر شيئا عن الموضوع و أسدلت الحكومة الفرنسية سترا من التعتيم على ذلك الإنذار , كما أحاطته بسرية تامة و عدته من الأسرار العسكرية للإمبراطورية الفرنسية . لذلك ظن بعضهم أن عودة الجنود الفرنسيين إلى سفنهم في ميناء بيروت يعود إلى موقف بريطانيا .
لكن لو كانت هذه المزاعم حقيقية لما تحركت هذه القوات من ميناء بيروت تحت أنظار الحكومة البريطانية و مؤازرتها . لأن من البديهي أن يكون هناك اتفاق و تنسيق القوات الأجنبية المتعددة الجنسيات التي كانت تتهادى جنبا إلى جنب على صفحة المياه في ميناء بيروت . و هل يعقل أن تتحرك قوة فرنسية , و تتخذ قرارات عسكرية بهذا الحجم و أوامر منفردة بضرب دمشق و احتلالها من دون اتفاق مع بقية القوى ؟ و بة خاصة البريطانية ؟ و هل تصل فرنسا بجنودها إلى رياق في طريقها إلى دمشق , و ترسل مبعوثا إلى الأمير تطلب منه أن يخرج من دمشق مع عائلته , و تطلعه على مخططها و هو ضرب دمشق من جبل قاسيون؟ الواقع أن الأمر كان متفقا عليه بين الدولتين و لم يكن رحلة صيد .
تحدث الكونت دو شمبور حفيد الملك لويس الخامس عشر في مذكرات دونها عام 1861م معلقا على انسحاب القوات الفرنسية و تغيير خطتها فجأة فقال :
لقد فقدت فرنسا هيبتها بسبب تصرف حكومتنا غير الوطني من جراء حملتها المضحكة و المحزنة , ثم يصف الحالة العامة في مدينة بيروت في هذا المخطوط الذي هو عبارة عن يوميات كتبها في أثناء رحلة إلى الأراضي المقدسة حسب تعبيره و يعني مدينة القدس بعد انتهاء الفتنة الطائفية بعدة أشهر في تشرين الأول ( أكتوبر ) 1861م . يصف وضع الأهالي الصحي و المالي و حرش الصنوبر الذي أحضرت شجيراته من إيطاليا حسبما سمعه من أحد السكان , و يعود في اليوم العاشر ليذكر ملاحظاته على القوات الدولية التي كانت لا تزال في المياه اللبنانية تتأهب للرحيل بعد ما رحل الجنود الفرنسيون على متن الأسطول الفرنسي . و يصف حالة الجنود و ما كانوا يعانونه من ضجر شديد تحت سماء بيروت و شمسها المحرقة , ثم يقول :
خرجت قبل مغادرتي مدينة بيروت بيوم واحد مع بعض الصحاب على ظهور الخيل لزيارة الحرش , و كنا قبل قد دعينا من قبل العازاريين لزيارة الأديرة , فتابعنا طريقنا إليهم و كانوا لطفاء جدا فقدموا لنا القهوة الإجبارية . و اجتمعنا بالراهبات اللواتي نجون بأنفسهن من دمشق في أثناء الفتنة , كما استمعنا إلى الأطفال الذين كانوا يصفون حالة الرعب الذي انتابهم قبل أن ينقذهم الأمير عبد القادر , و كيف أتى بهم رجاله إلى هذا المكان .
و لم يذكر في مخطوطه سوى هذا الخبر الذي أتى به باختصار شديد عن هذا الموضوع . أما معظم صفحاته فقد ملأها بالرثاء على الموارنة بة خاصة و بالهجوم على الأتراك مستبعدا كلمة ( عثمانيون ) من يومياته .
هذه الفتنة التي كان من المحتمل أن يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء حي القصاع في دمشق في سبيل مخطط استعماري كان هدفه احتلال سورية و لبنان بحجة الدفاع عن المسيحيين و إنقاذهم . و لكن الأمير عبد القادر كان لهؤلاء المستعمرين بالمرصاد , فعمل على إخفاق ذلك المخطط و قضى على المؤامرة التي دبرت بليل . و كان قبل أن يدخل دمشق يتابع باهتمام الأحداث التي يمر بها الوطن العربي و المؤامرات و افتعال الفوضى , فأخذ يفكر و يتقصى أسبابها الدفينة . و كان في ندواته العلمية في الجامع الأموي و في دار الحديث النووي و في داره أحيانا يحذر الجميع و يحثهم على اليقظة إزاء المؤامرات التي تحاك في الظلمة . و كان يبصر الوجهاء و الأعيان بعواقب التفرقة بين أبناء الشعب التي كانت السبب الرئيسي لما وصل إليه حاله و حالة البلاد , و يحذرهم من أخطار الصدام بين الطوائف . و كان يدعوهم إلى عدم الثقة بوعود الدول الأوروبية الاستعمارية التي تستعين بالفتن الطائفية و تغذيها و تلهب أوارها و لا تكترث بالضحايا البريئة التي تذهب وقودا لها ما دامت تخدم أغراضها السياسية و الاقتصادية . و لقد ذكرت في كتابي ( الجذور الخضراء ) ( للأميرة بديعة طبعا ) تفاصيل هذه الفتنة و مصادر توثيقها في الصفحة 164 من الفصل التاسع , و ذكرت ما حصل بعد وصول فؤاد باشا وزير الخارجية إلى دمشق , و كيف وجد أن الأمن مستتب فأعلن الأحكام العرفية و عين لجانا للتحقيق و محاكم عدلية قضت بإعدام أحمد باشا والي دمشق , و طلب من الأمير السماح له بتعيين كتيبة مسلحة من المهاجرين الجزائريين مهمتها الحفاظ على الأمن في دمشق و ضواحيها , وعين قائدا لها
محمد بن فريحة أحد أبناء عم الأمير عبد القادر , و أجرى استعراضا عسكريا تقديرا للأمير على جهوده في وأد الفتنة . و تقدمت تلك الكتيبة الجزائرية بأسلحتها ذلك العرض . و أرسل الخليفة العثماني عبد المجيد الأول , الوسام المجيدي العالي الهمايوني من الرتبة الأولى إلى الأمير عبد القادر مع رسالة تقدير حملها إليه الصدر الأعظم علي باشا ( أظنه عالي باشا ) في السابع من صفر 1277هـ , الموافق لعام 1860م .
و أسقط بيد الدول الأوروبية , فأخذت ترسل إلى الأمير أرفع أوسمتها تباعا و بة خاصة فرنسا و إنجلترا كي لا يفتضح أمرهما عند مسيحيي الشرق . فوصل الأمير من فرنسا وسام الليجيون دونور المرصع من الرتبة الأولى بوساطة وزير خارجيتها مع رسالة تقدير من الإمبراطور . و جاءه من ملك بروسيا ( إحدى الولايات الألمانية اليوم ) غليوم وسام صليب النسر الأحمر من الطبقة الأولى مع رسالة بالتوقيع الملكي في الثامن من تشرين الأول ( أكتوبر ) 1860م , ثم رسالة بشكل مرسوم موقع من القيصر إسكندر الثاني إمبراطور روسيا يقضي بمنح الأمير عبد القادر رتبة أعظم فارس في الإمبراطورية الملوكية , الرتبة المشهورة باسم النسر الأبيض في السادس من كانون الثاني ( يناير ) 1860م إلى جانب وسام هذه الرتبة .
و وصله بهذه المناسبة من ملك إيطاليا أيضا رسالة بخطه مع الوشاح الكبير و وسام موريس و العازر أقدم أوسمة الفرسان بوساطة الكونت دي كاستيلونية و الكادايردي كاستيلونيو من مدينة تورينو في العاشر من أيلول ( سبتمبر ) 1860م و بتوقيع فكتور عمانويل .
و جاءه وسام المخلص الملوكي من ملك اليونان من الرتبة الأولى حمله إلى الأمير وزير البلاط مع رسالة من الملك في 7 أيلول 1860م . و أرسل له جلالة ملك المملكة المتحدة رسالة تقدير مع بندقية مرصعة نقش عليها اسم الملكة فيكتوريا و اسم المرسل إليه الأمير عبد القادر في الرابع و العشرين من آب ( أغسطس ) 1860م . و جاءته من جمعية البر و الإحسان , المعروفة باسم جمعية المصابين في البر و البحر , رسالة تقدير و قرار الجمعية بمنحه عضوية الشرف . و كذلك فعلت الجمعية الفرماسونية ( الماسونية ) في فرنسا متضمنة الكثير من الثناء على شخصيته و لكن ليس فيها أي منحة عضوية شرف أو غيرها .
و ليس للأمير عبد القادر و لا لأحد غيره مهما علا شأنه الحق بفرض أسلوب أو صيغة معينة في كتابة رسائل المجاملة و التقدير له من جمعية أو دولة ما , كما أنه ليس له الحق بالاعتراض على شكل الوسام الذي سيقدم إليه , فالأمير قبل أوسمة من قبل العديد من دول العالم على اختلاف أشكالها , و وضعها في المكان الذي توضع فيه الأوسمة في العادة في مختلف الع و لمرة واحدة فقط . و ما من شيء يحمل إلا لهدف , و هدف الأمير لم يكن التزين أو التفاخر , لأنه كان يحمل وساما واحدا يعتز به , و هو وسام الجهاد . و الدليل على ذلك عدم ظهوره في أي مناسبة بهذه الأوسمة , و انه لم يذهب بها إلى احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1864م و لا غيرها . و كانت غايته من أخذ ة له بها هو تحذير جميع الأطراف من العودة إلى مثل تلك المغامرات الخطيرة .
لقد أراد من إشهارها القول للمستعمرين , إني جعلت خططكم هباء منثورا , و ما أرسلتموه من تقدير لعملي هو ميثاق منكم بعدم العودة للتفريط في حق الإنسانية .
و أراد القول للذين أسرفوا على أنفسهم : حذار أن تثقوا بالمستعمرين ! فلقد غرروا بكم و دفعوكم إلى عمل طائش طالما حذرتكم منه . انظروا , لقد تبرؤوا منكم و قدموا الأوسمة صاغرين لمن وقف ضد طموحاتهم . هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب كبرى كريماته عندما كانت تنظر إلى ته هذه و تقول :
كم كان أبي حزينا عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ ة فوتوغرافية له , و قد وضعت مرة واحدة و لغاية واحدة كما أسلفت . و هذه هي قصة الأوسمة .

و قصة الدول الغربية مع الدولة العثمانية ذات شجون , لكنها تحولت إلى إعصار جبار اقتلع هذه الدولة من الجذور . و لم تكن الغاية مساعدة العرب على بعث نهضتهم , بل تدمير هذه النهضة التي لم تتوقف بل ظلت مزدهرة ثقافيا و علميا تحت مظلة الإمبراطورية العثمانية في المغرب و المشرق , و لكنها أصيبت بالتخلف بعد أن سيطر الاستعمار على مقدرات البلاد العربية و الإسلامية على حد سواء .

لقد كانت حياة الأمير عبد القادر مجموعة من المآثر الخالدات . و أصبح بعد أن قضى على الفتنة الطائفية في سورية محط أنظار العالم , و أمل دعاة استقلال العرب عن الدولة العثمانية التي تتالت هزائمها أمام روسيا . فاجتمعت الطليعة في البلاد الشامية و بحثوا مصير سورية , و عقدوا المؤتمرات السرية في دمشق سنة 1877م ( بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876م ) و اقترحوا فصل البلاد عن الدولة العثمانية , ( أي قبل قيام الاتحاد و الترقي و قبل دعاة الطورانية ) , و تنصيب الأمير عبد القادر ملكا عليها , لأنهم وجدوا فيه أملهم الوحيد لما يتمتع به من هيبة و احترام عند العثمانيين و العرب على حد سواء .
و بعد قضائه على الفتنة الطائفية نال أيضا تقدير جميع الدول الأجنبية و احترامها , و هو الذي سبق له أن أنشأ دولة و قاد أمة , و هو بالإضافة إلى ذلك العالم ذو المقام العالي و المجاهد ذو النسب الشريف .
و عندما عرض على الأمير هذا الموضوع لم يتحمس له , و لم يرفضه , و لكنه نصح بأن يظل الارتباط الروحي بين البلاد الشامية و الخلافة العثمانية قائما .
و بدأت رسائل الزعماء اللبنانيين تتوارد على الأمير مبايعة , و منها رسالة من الزعيم اللبناني يوسف كرم الذي كان منفيا في إيطاليا .
أما المشروع الفرنسي الذي كان يرمي إلى إنشاء إمبراطورية عربية تمتد من شمالي بلاد الشام حتى قطاع عكا يرأسها الأمير عبد القادر , فقد رفضه الأمير بشدة في سنة 1860م . (قارن فعله بفعل الخسيس الحجازي ) .
رفض الأمير عبد القادر هذا المشروع لأنه مطلب فرنسي استعماري . و بعد سبع سنوات , عندما ظهر المشروع العربي القومي تردد أيضا في قبوله , لأنه كان يحترم الخلافة العثمانية من منطلق ديني , كان عدم تحمس الأمير لهذا الأمر ناشئا عن احترامه لمبدأ الخلافة الإسلامية . ثم جاء مؤتمر برلين و تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة و أصبح سلطانا فتأخر الحل العربي .( الانفصالي ) .
السلطان عبد الحميد الثاني ( 1293هـ - 1327هـ ) ( 1876م – 1909م ) .
و في أيار سنة 1883م انتقل الأمير إلى رحمته تعالى راضيا مرضيا في قصره بدمر من ضواحي دمشق . و شيعته دمشق عاصمة الأمويين في موكب مهيب , و بدموع و قصائد رثاء سطرت بمداد مضيء , و بكتب و مقالات جاءت لتكون اعترافا بمكانته النضالية و الفقهية و الإنسانية , و تكريما لهذا البطل من الله عز و جل على لسان سكان هذا الكوكب .
(( و الذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة و لأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون )) النحل 16/41 .
انتهى .


اقرأ أيضا::


ig juvt uk lk pdhm Hfd hgl;hvl khwv hg]dk uf] hgrh]v fk lpdd hgpskd hg[.hzvd>>>>>aowdhj jh hgl;hvl khwv hg]dk hgrh]v lpdd



رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدليلية (Tags)
حياة, المكارم, ناصر, الدين, القادر, محيي, الدين, الحسني, الجزائريشخصيات


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


هل تعرف عن من حياة أبي المكارم ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري.....شخصيات تا

سياسةالخصوصية


الساعة الآن 02:42 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Content Relevant URLs by vBSEO