صور حب




منتدي صور حب
العودة   منتدي صور حب > اقسام الصور الــعـــامــة > شخصيات تاريخية - شخصيات مشهورة

إضافة رد
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2021
المشاركات: 18,929
افتراضي معلومات عن ابو الخير الاشبيلي وكتابه عمدةالطبيب في معرفة النبات....عظماء التاريخ





معلومات عن
 ابو الخير الاشبيلي وكتابه عمدةالطبيب في معرفة النبات....عظماء التاريخ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدنا ان نعرض لكم كل ما هو جديد في مجال المعلومات التاريخية و الشخصيات
كل ماهو جديد في المعلومات و التاريخ


ابو الخير الاشبيلي وكتابه عمدةالطبيب في معرفة النبات....عظماء التاريخ
ابو الخير الاشبيلي وكتابه عمدةالطبيب في معرفة النبات....عظماء التاريخ...شخصيات من التاريخ...اهم الشخصيات التاريخيه..معلومات مفيدة عن الشخصيات التاريخيه...

بقلم: سليمى محجوب*

مقدمة:‏

إن‏

دراسة التراث وتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين، أمر لابدّ منه في مرحلة التحوّل التي تمر بها الأمة العربية. ذلك لأن اطلاع أبنائها على المنجزات العلمية التي حققها الأجداد في الماضي، لابدّ أن يكون باعثاً على الثقة في النفوس، وحافزاً لحث الخطى في طريق التقدم العلمي والتقني الذي نسعى لتحقيقه.‏



ومن واجب التراث علينا أن نتصدى بأنفسنا لكشف مكنوناته، ونشر روائعه، وإلقاء الضوء على مدى مساهمته في إغناء المعرفة والعلم خلال قرون عديدة، بعد أن ظل هذا العمل مقتصراً على المستشرقين الذين ينتمون إلى أمم مختلفة.‏

وفي مكتباتنا العربية العامة والخاصة كثير من المخطوطات القيّمة، والكتب النافعة التي لم تدرس حتى الآن، ولاسيّما في موضوع الطب والصيدلة وعلم النبات والتي كان لها سماتها، فأدت دوراً كبيراً في إثراء العلوم وبث روح الحياة. حيث كان يلتقي النبات والدواء في مسيرة واحدة لتأمين الغذاء النافع والدواء الناجع.‏

لقد توافرت للعرب ثروة معرفيّة ولغويّة هائلة حين انصرفوا إلى الطبيعة، كغيرهم من الأمم التي سبقتهم، فوجدوا أن الأرض تزخر بالخيرات، من شجر وعشب وبقل وتابل وغذاء، فانصرفوا إلى علم الفلاحة ودراسة النباتات. وألّفوا في ذلك كتباً كثيرة لها أهميتها في ميادين علوم النبات والصيدلة والطب وغيرها.‏

وكانت عنايتهم بأصناف النبات نابعة من حاجتهم إلى الغذاء والدواء معاً. وإلى التطيب بالعطور، وصناعة الصباغة والدباغة، وتركيب المواد الصيدلانية من جذور وقشور وثمار وبذور وأعشاب نباتات مختلفة.‏

وهكذا أصبحت المعاجم العربية، والمؤلفات العلمية، غنية بكم وافر من الأسماء والمصطلحات النباتية، وضمَّت معارف العرب المسلمين القدماء في علمي الطب والنبات. فكانت مصدراً لمن ألف وكتب في المفردات النباتية والغذائية والدوائية. وهي كثيرة العدد نذكر منها: كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري(1) ت 282هـ-895م)، وكان من أكثر المعاجم جمعاً للمادة، وأعظمها أثراً في معاجم النبات التي ألفت فيما بعد.‏

وقد ظلت هذه الكتب المعجمية مصدراً هاماً لمن جاء بعدهم من الأطباء والنباتيين والعشَّابين ممن ألّف في المادة النبايتة الدوائية في الأندلس، ومنهم ابن حجاج الإشبيلي(2) في كتابه المقنع في الفلاحة، وأبو الخير الإشبيلي(3) في كتابه عمدة الطبيب في معرفة النبات و ابن العوام الإشبيلي(4) في كتاب الفلاحة وغيرهم كثير من العلماء، الذين تركوا بصماتهم الرائعة في علمي النبات والطب، وما حققا من تقدم وازدهار في بلاد الأندلس.‏

كان لبلاد الأندلس، تلك الجنة الخضراء، ذات الأنهار والمناخ المعتدل، والتربة الخصبة والربوع المعطاء، أثرها الكبير في ازدهار هذين العلمين النبات والفلاحة). فكانت كما وصفها ياقوت الحموي(5) في كتابه معجم البلدان: لا تقع العين بها إلا على حقول ناضرة، ورياض غنَّاء، ومراع واسعة، وأنهار جارية.‏

ومدينة إشبيلية بالذات كانت درة الأندلس وفردوسها. وقد احتلت المكانة الثانية في الشهرة بعد قرطبة، وخاصة بعد أن قطنها الخليفة الموحدي أبو يعقوب، في المصيف والمربع، وقرر أن يخصّها بالتمصير والتسكين بإشراف مرأى ومسمع(6) .‏

وقد حظي عدد من علماء النبات، الذين ظهروا في القرن الخامس والسادس والسابع الهجري، بشرف الانتساب إليها. فكان كل منهم يلقب بالإشبيلي ومنهم –كما ذكرت- أحمد بن حجاج الإشبيلي مؤلف كتاب المقنع في الفلاحة و ابن العوَّام الإشبيلي مؤلف كتاب الفلاحة و أبو الخير الإشبيلي صاحب كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات والذي سيكون موضوع هذا البحث.‏

من هو أبو الخير الإشبيلي؟‏

كان من أبرز العلماء الذين ظهروا في الأندلس، وعملوا في ميدان علم الزراعة أو النبات وتسخيره في ميدان الطب.‏

لقد كانت معظم أبحاث علماء النبات تركِّز على المادة النباتية لتكون دواء واستشفاء، دون اللجوء إلى المواد الكيميائية المختلفة. وقد تعايشت الغايتان معاً في الع الإسلامية كما يعكسها لنا الطب العربي، وكما نجدها في كتب الفلاحة المختلفة.‏

لذلك لا غرابة في أن يجتهد أبو الخير الإشبيلي في تأليفه كتابه عمدة الطبيب في معرفة النبات ليكون مرجعاً ودستوراً للأطباء في معرفة أنواع النبات وطرق العلاج به وما يصلح لمرض دون آخر.‏

ولا غرابة أن ينظر الغرب لصاحبه نظرة إكبار وإعجاب بأفكار العلمية، ونظرياته النباتية الطبية التي سبقت عصرها، والتي دعتهم للانصراف إلى دراسته والاهتمام بمؤلفاته.‏

ولد العالم المنسي أبو الخير وعاش في إشبيلية. ولكن للأسف لا تزال حياته طي الكتمان. وكأنما سقط اسمه في وهدة النسيان.‏

وفي العودة إلى كتب التراجم والطبقات، لنقف على معلومات عن أبي الخير، لم نجد إلا النزر اليسير مما لا ينقع صدى، ولا يشفي غليلاً. إذ لم تذكر هذه الكتب أية ترجمة لمن يعرف بهذه الكنية، مع أنه وردت فيها تراجم وأخبار لعدد من معاصريه، ومن جمعته بهم حظوظ متحدة في الأخذ عنهم والاستفادة منهم. أو من اتكلوا، في جهودهم العلمية وابتكاراتهم المعرفية، على فيض معارفه وتجاربه ومؤلفاته. وأذكر من هؤلاء الأطباء والنباتيين: أبا العلاء بن زهر الإيادي الإشبيلي 525هـ-1130م)، وأبا بكر بن الصائغ التجيبي الشهير بابن باجة(7) وأبا بكر بن الصائغ التجيي الشهير بابن باجة(8) ، وابن العوام الإشبيلي الذي عاش في القرن السادس الهجري، وأخذ عن أبي الخير كثيراً من ثمرات أفكاره وتجاربه.‏

إن كل ما نعرفه عن أبي الخير أنه عاش في فترة صباه في إشبيلية، ومن مورد أساتذتها نهل العلم والمعرفة. وتدرب على أيدي عدد من المشتغلين في علم الفلاحة. وهم الذين غرسوا في نفسه البذرة الأولى للانصراف إلى الدراسة والمثابرة والتنقيب عما وعته الأرض في صدرها من نباتات تعطَّش أبو الخير لمعرفة خصائصها، والوقوف على فوائدها في مجال علم الفلاحة وعلم الأدوية –إن صح التعبير- لتكون عمدة للطبيب في معرفة أنواع النبات.‏

إن المبادرة إلى دراسة أبي الخير الإشبيلي يتجاذبها عاملان:‏

1- الأول أنه اشتهر في مدينة إشبيلية بالتقدم في الفلاحة. وكان له مساهماته في أرجاء الأندلس مخلفاً سمعة علمية، وثماراً من المؤلفات تشهد على تفوقه، وحضوره المميز في القرن السادس الهجري.‏

2- والثاني هي تجربته الطبية أو خبرته، مع أننا لا نعلم أن أبا الخير كان يمارس صناعة الطب. وسيكون كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات معيناً لنا في تقديم قبسات من اللمع.‏

وللأسف لم يُقدم أحد ممن ألف في التراجم على ذكر اسم أبي الخير كاملاً. بل اكتفوا بذكر كنيته. كما غلب الظلام على تحديد تاريخ ميلاده وسنة وفاته، واكتفوا بالقول إنه عاش في القرن السادس الهجري، وذلك استناداً إلى مؤلفات معاصريه وأخبارهم.‏

لكن ذكره اليوم بدأ ينبعث إلى الوجود. وبالعودة إلى كتاب الفلاحة لابن العوام الإشبيلي. نجد أن المؤلف يورد في المقدمة عدداً من المصادر التي استقى منها، ويخص بالذكر ممن أخذ عنهم الشيخ الحكيم أبا الخير الإشبيلي رحمه الله إذ يقول ابن العوام في كتابه:‏

وهو مبني على آراء جماعة من الحكماء والفلاحين وعلى تجاربه(9) . أي تجارب أبي الخير الإشبيلي.‏

ورغم اعتراف ابن العوام بفضل أستاذه إلا أنه لم يشر إلى اسمه واكتفى بذكر كنيته مضيفاً إليها الإشبيلي نسبة إلى بلد أبي الخير.‏

إن وصف ابن العوام ونعته لأستاذه بالشيخ الحكيم يشير إلى أن أبا الخير كان إلى جانب معارفه في الفلاحة وتضلعه وتجاربه في ميدانها كان أيضاً مشتغلاً بالطب والصيدلة مهتماً بكتب الحكمة وغيرها من علوم عصره.‏

ولعل كتاب أبي الخير الذي سماه عمدة الطبيب في معرفة النبات يكوِّن اعتقاداً راسخاً بأن أبا الخير كان عالماً بالطب. وربما كان طبيباً، أضاف جرعة طبية معرفية واسعة في الصيدلة والطب، إلى جانب معرفته الزائدة في علم النبات. وهنا ما رشَّحه لأن يكون عالماً مبدعاً ضمَّن كتابه مساحة من المادة النباتية، واصفاً لها مصنِّفاً أجناسها وخصائصها ليعتمد عليها الأطباء في معرفة خصائص النبات.‏

تحقيق كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات لأبي الخير الإشبيلي:‏

بقي هذا الكتاب مجهول النصّ، ومجهول السيرة الذاتية لمؤلفه حتى عام 1990م/1411م ففي تلك السنة قام الأستاذ الباحث محمد العربي الخطّابي بتقديم وتحقيق وإعادة ترتيب كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات. وأشرفت أكاديمية المملكة المغربية على طباعته، فصدر في جزأين، ضمن مطبوعات سلسلة التراث.‏

وفي مقدمة هذا الكتاب المطبوع تكلم الأستاذ الخطّابي، بة مجملة ومفيدة، عن أشهر المؤلفات والترجمات العربية، والتي صدرت في مشرق العالم العربي ومغربه، والتي تناولت علوم النبات والأغذية والأدوية المفردة.‏

وحينما وصل للكلام عن كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات قال: إن الفضل في التنبيه إلى هذا الكتاب يرجع إلى المستشرق الراحل ميكيل آسين بلاسيوس Asim Palaciaus - miguel السرقسطي. لقد اطلع هذا العالم على مخطوط لهذا الكتاب محفوظ في خزانة الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد. وهو نسخة مغربية، وقع الفراغ من نسخ الجزء الأول منها في مدينة فاس 996م.‏

وبعد تصفح هذا المخطوط تبين أنّ له أهميته العلمية واللغوية، ووجد فيه أسماء وصفات نباتات وأدوية مدونة باللغة الرومانصية، وهي لغة الإسبان القديمة. فجمع تلك الألفاظ وأعاد كتابتها بالحروف اللاتينية وبين معانيها، وبلغ عددها 630) جعلها على شكل معجم دعاه معجم الألفاظ الرومانصية، مما سجله نباتي أندلسي مجهول عاش بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. كما ثبت له وجود نحو (88) لفظة لم يتبين له أصلها. وفي عام 1943م نشر المجلس الأعلى للأبحاث العلمية في مدريد هذا المعجم.‏

ويقول الأستاذ الخطابي في مقدمته بعد ذلك:‏

لم يحفظ لنا الزمن من هذا الكتاب سوى نسختين مخطوطتين، كتبتا في المغرب بعد عدة قرون من وقت تأليفه، وهما خاليتان من مقدمة الكتاب ومن اسم مؤلفه.‏

ثم قال إن الشكوك انتابته عند البحث عن الاسم الحقيقي لمؤلفه، فلجأ إلى البحث عنه معتمداً على ما جاء في نص الكتاب. فتبين له من خلال تأمل موادّه وفصوله أن مؤلفه واسع الاطلاع على شؤون الفلاحة والفراسة، مع المزاولة العقلية لهما، بالإضافة إلى معارفه الطبية والصيدلية، مع كثرة التجوال في بلاد الأندلس والمغرب.‏

كما أن مؤلف الكتاب يذكر في ثناياه أنه تعلم الصنعة على يد الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الساعدي الأنصاري الشهير بابن اللونقة، وأنه كان على صلة وثيقة بالشيخ الفلاح أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن البصال؛ وكلاهما من أهل طليلطة، وعاشا كلاهما في القرن الخامس الهجري –الحادي عشر الميلادي.‏

وهذا ما حمله على مواصلة البحث في المؤلفات التي ظهرت في علم النبات بالأندلس، وفي مقدمتها كتاب الفلاحة لأبي زكريا يحيى بن محمد بن العوام الإشبيلي. وهو موسوعة اعتمد مؤلفها على عدد لا يستهان، من المصادر الأندلسية وغير الأندلسية، فذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها وهي:‏



1-كتاب المقنع في الفلاحة للشيخ الفقيه أبي عمر بن حجاج.‏

2-كتاب الفلاحة لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن البصال.‏

3-كتاب الشيخ الحكيم أبي الخير الإشبيلي.‏

لقد نقل ابن العوام عن أبي الخير عدداً كبيراً من المعلومات، وذكره أكثر من مئة وتسعين مرة، ولاسيما ما يتصل منها بوصف أعيان النبات وأجناسه وأنواعه، وهذا ما أكد نسبة كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات لأبي الخير الإشبيلي‏

أساتذة أبي الخير‏

لما كانت المعلومات عن أبي الخير ضئيلة ناضبة كان لابدّ لنا من أن نقف على مشارف القرن السادس الهجري، ونقلب بين أيدينا كتابه عمدة الطبيب في معرفة النبات لنقطف من ثناياه، ونجمع من بين سطوره ومضات مضيئة تنير لنا جوانب من سيرته العلمية.‏

يخبرنا الإشبيلي في كتابه أن شيخه الذي علّمه الصنعة هو كما ذكرنا أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الشهير بابن اللونقة الطليطلي.‏

وإذا أردنا أن نعرف الرجل وقيمته فلابدّ لنا من أن نقف على سيرة أستاذه. فمن هو هذا النباتي الذي علمه الصنعة؟.‏

كان من حسن حظ أبي الخير أن تتلمذ على يد هذا العالم. فقد كان ابن اللونقة فقيهاً ورعاً له بصر بالطب ومعرفة به، وله فيه تعاليق مفيدة. وكان قد أخذه عن أبي المطرف بن وافد الطليطلي(10) وخرج من بلده قبل تغّلب الإفرنج عليه بيسير فنزل مدينة بطليموس(11) ، ثم انتقل إلى إشبيلية في سنة سبع وثمانين، ثم صار إلى قرطبة. وبها توفي سنة ثمان أو تسع وتسعين وأربعمائة. حدث عنه ابنه الحسن(12) .‏

انعقدت بين التلميذ وأستاذه حلقات من التدريس، وملازمة وصحبة فرعاه ابن اللونقة اثناء إقامته في إشبيلية. مما يجعلنا نجزم بأن أبا الخير الإشبيلي استطاع أن يشبع نهمه من علوم الفلاحة والطب. ولاشك أنه درس على ابن اللونقة الفقه فغدا عالماً به تقياً ورعاً يتحلى بمكارم الأخلاق ودأب في التحصيل أخذهما عن شيخه الأول ومن خلال مؤلفاته.‏

ويرشدنا أبو الخير أيضاً من خلال كتابه عمدة الطبيب إلى أنه كان وثيق الصلة بأبي عبد الله بن بصال الطليطلي الماهر في الفلاحة وأنه كان يرجع إليه في كثير من أمور الزراعة والغراسة. ويستفيد منه في هذه الأمور وغالباً كان يتم اللقاء بين الرجلين في جنّة السلطان بإشبيلية التي أنشأها المعتمد بن عباد(13) أثناء حكمه من سنة 433-461هـ) وربما كان أبو الخير أحد المشرفين على هذه الجنة فيما بعد، برعاية وتوجيه من ابن بصال.‏

إذن من هو ابن بصال الأستاذ الثاني لأبي الخير؟‏

هذا العلامة هو عبد الله محمد بن إبراهيم بن بصال الطليلطي، كما يعرف بالتَفْتَري نسبة إلى بلدة تَفْتَر في غرناطة ويدعى أحياناً بالحاج الغرناطي. كما يلقب بالإشبيلي لإقامته ردحاً من الزمن في إشبيلية.‏

وقد أتيح لأبي الخير اللقاء به في تلك المدينة وعمل معه في بساتين الأمراء ولاسيما في بستان المعتمد بن عباد. فأفاد بذلك خبرة عملية واسعة، لما عرف عن ابن بصال من رسوخ قدم في علم الفلاحة، وقد اعترف ابن العوام بفضله وذكره في كتاب الفلاحة أكثر من مائة مرة معتمداً على آرائه ومشيراً إلى قيمته العلمية والمعرفية.‏

هذه التلمذة لأبي الخير على أيدي هذين الأستاذين تطلعنا على ثقافته ومصدر أبحاثه وتجاربه وخبرته في مجال علم النبات.‏

على أن أبا الخير لم يكتف بذلك. بل كان مدفوعاً بدافع السفر والسياحة للاطلاع والتعرف على النباتات وتأثيراتها الدوائية في الأقطار الأخرى والمدن المجاورة لإشبيلية.‏

فقد طاف بأرجاء المغرب الأقصى وحدثنا عن ذلك في ثنايا كتاب العمدة وعرّج على مراكش وأغمات. وسأل بعض شيوخ المرابطين والمصامدة والأعراب عن ماهية بعض الأعشاب كالقتاد وتيكوت وربما كان هذا في صدر الدولة المرابطية.‏

إن هذه الزيارات ربّما كانت تتكرر إلى المغرب حيث يقف الإشبيلي على تشكيلة واسعة من النباتات، فيصفها ويبين خصائصها النباتية والدوائية كما يلتقي بنخبة من العلماء، ويضيف مزيداً من الخبرات والمعلومات والمشاهدات والملاحظات الثمينة ضمنها كتابه الموسوعي الضخم.‏

يقول أبو الخير في كتابه العمدة في صدد الحديث عن شجيرات الكراث(14) :‏

قال سليمان يعني ابن جلجل) لم أر أحداً وصفه. لكن نبَّهتُ عليه لهذه المنفعة العظيمة. يقصد نفعه في علاج الجذام. ويضيف: قال أبو الخير أي المؤلف نفسه) : هو نوع من المازريون(15) وهي المرة الوحيدة التي ذكر فيها أبو الخير اسمه أو كنيته.‏

على كل ما زالت تلك المعلومات تفتقر إلى معرفة الجانب الشخصي من حياة أبي الخير، لاسيما تاريخ ولادته ووفاته، ونشأته وأسرته وغير ذلك. وللأسف لم يكن لكتاب العمدة مقدمة تمدّنا بمعلومات أغزر، لاندثارها فيما اندثر من أقسام المعرفة.‏

وكل ما نرجوه أن يتخطى الباحثون العقبات والحواجز للكشف عن مصداقية هذا العالم الذي ترك آثاراً هامة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في بلاد الأندلس.‏

مؤلفات أبي الخير:‏

مع أن المكتبة العربية تزخر بعدد كبير من المؤلفات التراثية في علمي الفلاحة والطب لعلماء أفذاذ تشهد لهم آثارهم بالتفوق وبالعلم، إلا أن نتاجاً قيّماً ككتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات يرفدها ويغنيها، وذلك لما يتصف به من وفرة المعلومات التي يقدمها عن النبات وأحواله وبيئته الطبيعية وأماكن وجوده، مع ما يتضمنه من معلومات لابدّ للطبيب من معرفتها والاعتماد عليها والإفادة منها. فهو كتاب خلَّد صاحبه وشهد له بالخبرة والمعرفة لذلك نعته مواطنه وتلميذه ابن العوام بالشيخ الحكيم وكان له مرجعاً ومعتمداً في أبحاثه وتصنيف كتابه الفلاحة الأندلسية.‏

ومن الجدير بالذكر أن كتاب العمدة ورد في مخطوط الرباط تحت اسم عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب وقد قيّده الناسخ للمخطوط في صدر الورقة الأولى وفي ختام النسخة.‏

وأما في مخطوط مدريد فيرد الكتاب بأسماء متعددة، حسب مواضع وروده في المخطوط، فهو في صدر النسخة عمدة الطبيب في معرفة النبات، وفي خاتمة الجزء الأول عمدة الطبيب في شرح الأعشاب. بينما يرد اسم الكتاب في خاتمة الجزء الثاني تحت عنوان: عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب.‏

والمرجح أن اسم الكتاب هو: عمدة الطبيب في معرفة النبات، وهو اسم يطابق موضوع الكتاب، لأن عبارة لكل لبيب) ليس لها أهمية في هذه التسمية، وربما أقحمها الناسخون لضرورة السجع(16) .‏

وكتاب العمدة ليس يتيماً في مؤلفات أبي الخير. فقد ترك كتاباً آخر يعرف باسم الفلاحة(17) ويحمل نفس تسمية كتاب الفلاحة لابن العوام.‏

وهو مؤلف هام لا يزال مخطوطاً وتوجد منه نسخة في تطوان، وأخرى في تونس، وثالثة في باريز. ومن حقِّ هذه النسخ البحث والتحقيق للكشف عن مضمونها ونشرها على صفحات متعطشة لإبراز الجانب المهمل من تراثنا ومن إنتاج هذا العالم الذي لم ينصف ولم يعط حقه حتى الآن من الدراسة والتمحيص.‏

وقد وصف ابن العوام هذا الكتاب المخطوط فقال فيه إنه كتاب مبني على آراء جماعة من الحكماء والفلاحين وعلى تجاربه ولاشك أن أبا الخير قد بذل جهوداً للإحاطة بشلال من المعلومات والتجارب في علم الفلاحة ليحقق الازدهار الزراعي لمسقط رأسه في إشبيلية معتمداً على من سبقه من العلماء، وعلى خبرة شخصية قوامها التجربة التي تقطع الشك وتوصل إلى اليقين.‏

ولأبي الخير كتاب ثالث سماه النبات وكتاب آخر هو الأدوية المفردة وهذا ما استنتجناه مما جاء في كتاب مباهج الفكر، ومناهج العبر لأبي عبد الله الوطواط في الحديث عن فستق الأرض إذ يقول:‏

قال أبو الخير في الأدوية المفردة له: ببلاد إفريقيا نبات يسمى فستق الأرض، ينبت بنفسه في الرمل كما تنبت الكمأة لا أصل له ولا ورق يشبه فلافل فلفل) السودان في الطعم، ولكنه أبيض اللون إلى الصفرة... وقد علَّق مؤلف كتاب مباهج الفكر.. على كلام أبي الخير موضّحاً أن هذا النبات يسمى في مصر حب العزيز.‏

ومن استقراء كتاب عمدة الطبيب يبدو لنا أن لأبي الخير كتاباً طبيّاً آخر أطلق عليه اسم غلط الأطباء. بالإضافة إلى كتاب العمدة وربما يكون ملخصاً لـه. حيث يقول أبو الخير في الحديث عن مادة الكنكر)(18) : يقيء بشدة وينفع المفلوجين. وإن أكثر منه قتل. وقد بينته في كتاب غلط الأطباء(19) .‏

وسواءً أكان لهذه المؤلفات وجودها المغيب في عالم المخطوطات أم ضياعها. فإن كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات يبقى صوتاً حاضراً في التعبير عن مكانة مؤلفه وكونه من الرواد الذين عمَّقوا الجذور بين علمي النبات والطب والصيدلة.‏

أهمية كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات‏

من العنوان نبدأ... الكتاب موسوعة جامعة في علمي النبات والطب. يقدم هوية مفصَّلة لكل نبات: اسمه، صفاته وأجناسه وانتماؤه الطبيعي في الزمان والمكان، مع التركيز على خصائص النبات الطبيعية واستعمالاته الدوائية، نافذاً بمنهجه وسطوع خبرة مؤلفه إلى اكتشاف مفاتيح العلاقة بين الأدوية المفردة التي تتألف خاصة من الأعشاب والأزهار والحشائش...) والمادة النباتية ليقدم للطبيب الوجه الحقيقي والدقيق في استعمالها. يرفده في ذلك كله علم وفكر ومشاهدة وخبرة وتجربة.‏

يستمد الكتاب أهميته العلمية من اعتباره مصدراً لعدد ممن ألَّف في كتب الفلاحة والطب بعد أبي الخير. ولاسيما ابن العوام الإشبيلي في كتاب الفلاحة والطبيب المغربي أبي محمد الغساني الوزير 1019هـ-1610م) في مؤلفه حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار(20) فكان بقعة ضوء لهذين العالمين احتذيا منهجه العلمي وأخذا عنه عمق التجربة، ونفاذ البرهان في علم النبات والطب.‏

الكتاب يقع في جزأين ويضم 1739) مادة نباتية ودوائية يسردها في لوحات مرتَّبة على حروف المعجم بالترتيب السائد في بلاد المغرب(21) معتمداً على أوائل الحروف فقط.‏

وقد ظل الكتاب في منطقة الظل إلى أن دخل عالم الاستشراق والاستعراب. ويرجع الفضل في التنبيه إلى أهمية العمدة إلى المستشرق الراحل ميكيل أسين بلاثيوس السرقسطي(22) . فقد اطلع على مخطوطة الكتاب المحفوظة بخزانة الأكاديمية الملكية للتاريخ في مدريد. وهي نسخة مغربية وقع الفراغ من نسخ الجزء الأول منها في فاس عام 966هـ) وتحمل الرقم 243).‏

إلا أن نتاج المستشرق بلاثيوس ظل محاً في نطاق ضيق إلى أن أسدى العالم العربي المغربي محمد العربي الخطابي خدمة جليلة في تحقيق هذا الكتاب نظراً لأهميته وفائدته العلمية(23) وإلى الباحث الخطابي يرجع الفضل في تحقيق كثير من المخطوطات في المغرب العربي وبلاد الأندلس.‏

حين درس آسين بلاثيوس مخطوط الكتاب لفت نظره عدد كبير من الألفاظ والمفردات الرومانصية الإسبانية القديمة) وقد وردت بلهجات مختلفة فجمع هذه المفردات وأعاد كتابتها بالحروف اللاتينية ورتَّبها، وتمكَّن من تحقيق 630) مصطلحاً نباتياً محاولاً إرجاعها إلى أصولها. وفسَّرها وعلَّق عليها. كما أثبت نحو (88) مصطلحاً لم يتبين أصلها. فجمعها في كتاب سماه معجم الألفاظ الرومانصية استمد مادته ممّا سجله نباتي أندلسي مجهول في القرن الحادي عشر- الثاني عشر الميلادي(24) .‏

وقد صدَّر بلاثيوس هذا المعجم بمقدمة وافية وصف فيها مخطوطة مدريد، واضطر أن ينسبها إلى مؤلف مجهول. لكنه استنتج من نص كتاب العمدة أن المؤلف أندلسي إشبيلي وأنه عاش في أواخر القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، وهذا مما جعله ينفي نفياً قاطعاً نسبة المخطوط إلى أبي الحسن المختار بن عبدون بن بطلان البغدادي(25) المتوفى سنة 456هـ-1066م) خلافاً لما ورد في نسخة مدريد.‏

وقد أشاد بلاثيوس في مقدمة معجمه بأهمية الكتاب والعناية الفائقة التي بذلها صاحبه في تجنيس النبات وتصنيفه. وعبّر عن إعجابه قائلاً: إنه كان سبّاقاً إلى ابتكار نظام للتصنيف هو أقرب من غيره إلى نظام التصنيف الحديث. وأنه لم يسبقه إلى ذلك فيما يعرف(26) .‏

ويعتبر هذا المستشرق صاحب الفضل الأول في وضع هذا المعجم مع أن جهوده لم تثمر في معرفة اسم الكتاب، لكنه استطاع أن يثبت أن نسبته إلى ابن بطلان مردودة إطلاقاً وهو من وهم النساخ. وأن المؤلف أندلسي عاش في الأندلس في القرن السادس الهجري وفي رحابها وحدائقها أجرى بحوثه.‏

ومما يؤكد هذا الوهم ما ذكره ابن العوام حين طرح باللفظ الدقيق في مقدمته المصادر التي استقى منها. ويؤكد على كتاب الشيخ الحكيم أبي الخير الإشبيلي رحمه الله(27) .‏

وبالفعل فإننا نجد تشابهاً واضحاً في الوصف وتقارباً في المعنى بين الرجلين، مما يشير إلى صحة نسبة كتاب عمدة الطبيب إلى أبي الخير الذي ذكره ابن العوام أكثر من مائة مرة في كتاب الفلاحة ونقل عنه الشيء الكثير مما يدل على سبقه له أو معاصرته إياه..................‏يتبع في الجزء الثاني والاخير



أسلوب المؤلف ومنهجه في كتاب العمدة:‏

ينفرد كتاب عمدة الطبيب بمجموعة من الخصائص تميزه عن المؤلفات الطبية النباتية التي ظهرت في مشرق العالم العربي الإسلامي ومغربه ومنها:‏

1-أن الباحث في كتاب العمدة استطاع أن يقف على هوية كاملة ومفصلة لكل نوع من النباتات. فقد وصف أجزاءها من ورق وساق وجذر، وكل ما يتعلق بها من صمغ ومَنْ ولثى وغيره. من ذلك قوله في مادة:‏

سورنجان Colchicum: ورقه كورق اشبطال. وهو من نوع الأقارون، ولونها أخضر وفيها ملاسة، ولا ساق لـه، ولـهُ زهر كزهر الزعفران في وسطه شق. عليه قشر أسود، مائل إلى الصفرة يشبه قشر بصل النرجس. منابته الجبال في المواضع الرطبة منها، وفي الغياض وهو السورنجان الأسود وجوز عند بعض الأطباء.‏

والمؤلف يحرص على ذكر الخصائص الفيزيولوجية والطبيعية دون الاهتمام بالنبات من ناحية لغوية فقط كما فعل الأصمعي والسجستاني وأبي حنيفة الدينوري، كما يحرص على ذكر جغرافية النبات وبيئته، فيحدد أماكن وجوده، من ذلك ما ذكر عن: الأفيثمون: وهو نبات يشبه الصعتر. إذ يقول:‏

وهو ينبت في الوطاءات، ومناقع المياه الجافة، ورأيته بالعدوة بوادي أَمْسون تسميه البرير لحية أَمْسون(28) .‏

ويقول في نبات:‏

القَضْب: ووصف لي بناحية طليطلة وبالثغر لكنه لا يقنع بالوصف فيلجأ إلى البحث والمشاهدة. إذ يقول:‏

ورأيت أن هذا النوع في شرف الزيتون بغرب إشبيلية بحومة حصن القصر(29) .‏

وهذا يعبر عن النهج العلمي والدقة القصوى في وصف النبات وتحديد مكان وجوده. حيث ينمو الزرع ويربو.‏

كذلك فإن أبا الخير يقف بنفسه على منابت الزرع فلا يغامر بذكر أية مادة سمع عنها أو قرأ ما لم يعاين ذلك ويختبره مما جعله دقيقاً في تحديد اختلاف الأجناس والأنواع وتصحيح ما وقع فيه غيره من وهم وخطأ.‏

يبدو هذا في حديثه عن مادة:‏

البَلْسان: وقد غلط في قدر ما يجمع منه حذاق الأطباء. فقالوا:‏

يجمع من دهن البلسان كل عام –على ما ذكر- من خمسين رطلاً إلى ستين والذي أوقعهم في هذا الغلط ما رأوا في كتاب جالينوس(30) من هذا اللفظ. وأظن المترجمين أخطؤوا عليه فقالوا: أولاً إن الذي يجمع فيه شيء يسير. فهذا شرط بين، ثم قالوا يجمع منه كل عام العدد المذكور في مدة من الزمان كما ذكر. وهذا عندي هو الصحيح(31) .‏

ويقول في نبات:‏

البُلّ: لم أجد أحداً من الأطباء يحدّ هذا النبات بعلامة تعلم ولا وصفه بصفة لائقة. وإنما أخذ اسمه تقليداً وسماعاً. وأشبه الأقوال عندي قول ماسرجويه المتقدم وقوله نوعان على أن جالينوس قال في الماميران: البلّ والشلّ: الشبوق والبدقة وهو أصح الأقوال(32) .‏

2-يرشد أبو الخير الأطباء إلى خصائص المادة النباتية الدوائية ويشير إلى صفاتها وإلى استعمالها في معالجة بعض الأمراض لتكون دستوراً وعمدة للطبيب.‏

من الأدوية المفردة التي يذكرها:‏

الإبرنج كان يقول في الإبرنج منسوباً إلى ابن الجبلي: هو دواء هندي يسهل البلغم، ويخرج حب القرع، ويقتل الدود. وهذا قول ابن ماسويه والبصري. وزعم بعض المتأخرين أنه حب الرند بعينه وهذا خطأ. وقيل هو جوز القيء وهو غلط. وهو مسهل مثله(33) .‏

ويقول في مواد أخرى مبيناً خصائصها، ومفصلاً في قواها، وتحديد درجاتها كما في: جوز الأرض: خاصيته النفخ من القولنج إذا شرب ماؤه أما في جوز ماثل البطريق فيقول: طعمه عذب دسم، يسكر أكثر من إسكار البنج إن شرب منه قيراط في نبيذ. فإن شرب منه مثقال قتل بالخنق لحينه.‏

وفي مادة القاقلي يقول أبو الخير الإشبيلي واصفاً المادة أدق الوصف:‏

حمضه مثل الأشنان، تسمى القُلام. له ورق كورق الأقحوان الكبير إلا أنه أقل منه تقطيعاً. وليس ببعيد الشبه من ورق الحُرُف الأحمر، في ورقه متانة، ولونها أخضر إلى الصفرة... فيه شيء من ملوحة.‏

وبذكر أبو الخير مكان وجود هذا النبات قائلاً: ورأيت هذا النوع بناحية شِلْب بقرية تعرف ببرتمون.‏

ويسند بعض الأقوال إلى أصحابها من الأطباء أو النباتيين. فيتابع قائلاً: وزعم الزهراوي أنه الشبنالة. وهو حمض الجيال. قال ابن جلجل: القاقلي هو الباذليان.‏

ويشير أبو الخير إلى خصائص القاقلي الدوائية واستطباباته فيقول:‏

خاصة هذا النوع إسهال الماء الأصفر إذا شربت عصارته مع السكر، ويطيّب الجشأ، وينفع من ضعف الكبد، ومن النفخ في البطن، ويدر البول. وله فعل عجيب في المعدة الباردة. أضراره بالرئة وإصلاحه بالعسل. الشربة منه ثلاثة دراهم(34) .‏

أما في مادة:‏

الجَلَبَهْنك: وهو القات فيقول: يقيء بشدة، وينفع المفلوجين. الشربة منه درهم. وإن شرب منه أكثر قتل. فكأنما يحذر الإشبيلي الأطباء من تجاوز المقدار المسموح به في العلاج.‏

إن هذه الدقة في تحديد الخصائص الطبية للنبات ومقادير استعماله تجعلنا نتساءل: ترى هل مارس أبو الخير العلاج بنفسه فكان طبيباً إلى جانب كونه عشَّاباً أم أنه مجرد إدلاء برأيه الشخصي في موضوع الدواء بالاستناد إلى تجربة شخصية أو رواية موثَّقة. وهذا مما يشجعنا على سبر أغوار شخصيته التي لم تساعدنا المصادر على كشفها حتى الآن.‏

3-لقد كان للمؤلف وزنه الثقافي، وثقله المعرفي بلغات عصره ولهجاتها المختلفة لذلك يورد أسماء كثير من النباتات باللاتينية، واليونانية، والفارسية، والإسبانية، والأمازيغية، والنبطية. كما يذكر أسماءها باللهجة المحلية الدارجة في عدد من الأقطار ولاسيما في الأندلس والمغرب. من ذلك ما ذكره في مادة:‏

بطيخ Melon: ريفيّ وهو المستطيل، ويسمى هذا سملايا نط)، ملونيا يوناني) وهذا عند العامة بطيخ على الحقيقة. ومنه الفلسطيني وهو الدلاّع وهو البطيخ الهندي والسندي أيضاً والشامي والشتوي ويسمى افلسطين بر) بالبربرية الأمازيغية ومنه الدمسّي –ويقال الدمشقي- وهو المِلُون، وهو المعروف عندنا بالهَوْزني منسوب إلى قرية عندنا كثيراً ما يزرع بها. ومنه المصري وهو النُّفاح(35) .‏

4-أما أسلوب أبي الخير في كتابه الموسوعي الضخم فيمتاز بالوضوح والدقة والإيجاز، وتجنّب الحشو والاستطراد. وقد صاغ ذلك بلغة عربية ناصعة، يحسن اختيار الألفاظ أو المصطلحات التي توضح الفكرة وتخدم الموضوع في صياغة علمية تجنح إلى التشبيه أحياناً للإيضاح كما في قوله: وله زهر كزهر الزعفران أو عليه قشر أسود مائل إلى الصفرة يشبه بصل النرجس.‏

ويلجأ إلى التعليل في كثير من الأحيان لذلك يذكر سبب تسمية النبات مثلاً كما في تسمية برباطة) إذ يقول:‏

قال الزهراوي هو أصل الجِنت وهو خطأ. والبرباطة الشُبينرة) سميت لذلك لأن غسّالي الصوف وغيرهم يستعملون أصل هذا النبات في غسل الثياب وهو بذلك ينفذ إلى عالم الصناعة وأهمية المادة النباتية وانتشار استعمالها في هذا الميدان.‏

أخيراً لقد وضع لنا أبو الخير مؤلف كتاب العمدة وثيقة نباتية طبية جديرة بالاهتمام. لعالم لم ينل حظ أقرانه من الشهرة والتعريف.‏

أرجو أن أكون قد قدمت قبسات مضيئة تغري بدراسته والوقوف على الدرر الكامنة في نسيج مؤلفاته التي لم تخرج إلى النور.‏

كما نرجو من الباحثين والمهتمين من الأطباء وعلماء النبات أن يعودوا إلى معجم أبي الخير القيم عمدة الطبيب في معرفة النبات ليقفوا على مبادئ واستراتيجيات العلماء العرب والمسلمين في العلاج الدوائي بالأغذية والأعشاب الطبية. لأن هذه المعلومات التراثية تعتبر ثروة حقيقية من حيث المعرفة، لابدّ من إحيائها ومناقشتها، والاستفادة من خبرات السابقين، ودراستها على ضوء التقدم والتطور الذي حدث ويحدث في علمي الطب والصيدلة.‏

ولا ننسى أن التناسق والتعايش بين الزراعة والطب هو مفتاح التعايش بين الإنسان والطبيعة، وهذه مسألة ذات أهمية كبيرة في سلامة البشرية.‏





مراجع البحث:‏



1-الأعلام، خير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة بيروت، 1969-1970م.‏

2-الأغذية والأدوية عند مؤلفي الغرب الإسلامي، محمد العربي الخطابي، ط دار الغرب الإسلامي، بيروت 1990م.‏

3-تاريخ العبر وديوان المبتدأ والخبر –المقدمة- ابن خلدون، المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى.‏

4-الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، ابن البيطار، المطبعة العامرة، 1291هـ.‏

5-حديقة الأزهار للغساني، تحقيق محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1405هـ.‏

6-شذرات الذهب في إخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، ط 1351هـ.‏

7-الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، جزءان، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1988م.‏

8-عمدة الطبيب في معرفة النبات، أبو الخير الإشبيلي، تحقيق العربي الخطابي، جزءان ط المملكة المغربية، الرباط 1990م.‏

9-عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة، تحقيق نزار رضا، بيروت 1965م.‏

10-الفلاحة الأندلسية، ابن العوام الإشبيلي ط. إسبانية، نسخة موجودة في معهد التراث العلمي العربي بحلب رقم السجل 8112.‏

11-معجم الألفاظ الرومانصية، أسين بلاثيوس، ط مدريد 1943م وهومن منشورات المجلس الأعلى للأبحاث العلمية.‏

12-معجم الألفاظ الزراعية، مصطفى الشهابي. ط القاهرة، مطبعة مصر 1957م.‏

13-معجم البلدان، ياقوت الحموي، بيروت 1955م.‏

14-الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب، لابن العديم. تحقيق محجوب- خطيب، منشورات معهد التراث 1408هـ- 1988م.‏

15- وفيات الأعيان، ابن خلكان، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة 1948م.‏



* باحثة من سورية.‏

(1) عالم في النبات والحيوان والجبر والحساب. ت282هـ-895م). له كتاب النبات، وكان له مرصد في دينور بفارس.‏

(2) ابن حجاج الإشبيلي: من أبرز علماء الأندلس في علم النبات. ألف كتاباً عام 464هـ سماه المقنع في الفلاحة.‏

(3) أبو الخير الإشبيلي، عاش في القرن السادس للهجرة، الثاني عشر للميلاد. ألف كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات.‏

(4) ابن العوام ولد في إشبيلية من علماء النبات في القرن السادس الهجير. عرف واشتهر بكتاب الفلاحة.‏

(5) ياقوت الحموي الرومي ت 626هـ-1229م) له كتاب واسع في الجغرافية هو معجم البلدان.‏

(6) معجم البلدان لياقوت. الجزء الثالث بيروت سنة 1955م.‏

(7) ابن زهر الإشبيلي: اسمه زهر بن عبد الملك ويكنى بأبي العلاء، من أشهر أطباء الأندلس ينحدر من أسرة بني زهر التي تركت بصماتها في المداواة والتدبير، أقام في شرق الأندلس والتقى المعتمد بن عباد ملك إشبيلية ولقي لديه حظوة كبيرة.‏

(8) أبو بكر بن الصائغ بن باجة، ولد في سرقسطة أواخر القرن الخامس الهجري. وانتقل إلى فاس. توفي مسموماً. له كتاب تدبير المتوحد و رسالة الوداع.‏

(9) الفلاحة الأندلسية لابن العوام ج1، ص9، المقدمة.‏

(10) أبو المطرف بن وافد الطليطلي. طبيب عشاب. اسمه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي 398-467هـ) وكان ماهراً في علم الأدوية المفردة، استوزره يحيى بن ذي النون الذي ملك طليطلة ما بين 435-‏

467هـ).‏

(11) بطليموس: مدينة في شمال الأندلس. وهي مدينة وافرة الأرزاق، استولى عليها بنو الأفطس.‏

(12) ابن الأبار في التكملة ص200 ط. مدريد 1915م.‏

(13) المعتمد بن عباد: محمد 431-488هـ) ثالث سلاطين بني عباد في إشبيلية وآخرهم خلف أباه المعتضد. مات سجيناً في أغمات.‏

(14) الكراث: الواحدة كراثة: بقل خبيث الرائحة كالثوم. يزرع في المناطق المعتدلة المناخ. تؤكل سوقه. والكراث الأندلسي أو القُلعوط: بقلة صغيرة الحجم زراعتها ضئيلة في الشرق الأوسط. تصلح بصلتها تابلاً.‏

(15) هذا خطأ منه. فالكراث هو Porrum والمازريون هو: Mezereum – هيئة التحرير.‏

(16) كتاب عمدة الطبيب ج1، ص36.‏

(17) كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات لأبي الخير الإشبيلي ج1- ص168 تحقيق الأستاذ محمد العربي الخطابي.‏

(18) الكنكر: هو الحرشف أو كما يسمى في سورية الانكنار Cynara وهو من الخضر المأكولة وليس له تأثير مُقَيّئ‏

أو سام.‏

(19) كتاب عمدة الطبيب ج1 ص168.‏

(20) كتاب حديقة الأزهار تحقيق محمد العربي الخطابي –دار الغرب الإسلامي بيروت 1405هـ والغساني هو أبو محمد‏

1295-1297م) كتب في الطب والفلك والأنساب له كتاب المعتمد في مفردات الطب على حروف المعجم.‏

(21) رتب المواد بالنظر إلى أوائل الحروف فقط على حروف المعجم بالترتيب السائد في بلاط المغرب الإسلامي مؤخِّراً حرف السين والشين إلى ما قبل الهاء والواو والياء على عادة أهل المغرب.‏

والترتيب المغربي هو: ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ و ي.‏

(22) ميكيل أسين بلاثيوس. 1871-1944م) مستشرق إسباني، ولد في سرقسطة، درس العربية في جامعة مدريد. له دراسات عديدة عن الغزالي، وابن حزم، وابن الطفيل، وابن باجة.‏

(23) اعتمد العلامة ا لخطابي في التحقيق مخطوطين فريدين: الأول هو المخطوط الموجود في الأكاديمية في مدريد ويحمل رقم 243) وقد أشرت إليه. والمخطوط الثاني: محفوظ في الخزانة العامة للكتب والوثائق في الرباط ويحمل رقم‏

3505).‏

(24) وهو من منشورات المجلس الأعلى للأبحاث العلمية بمدريد.‏

(25) ابن بُطلان البغدادي: المختار بن الحسن بن بطلان، طبيب وفيلسوف من أهل بغداد عاش في مصر والقسطنطينية، وصنف ما يزيد على خمسين مجلداً. من مؤلفاته دعوة الأطباء طبع في الإسكندرية عام 1901م.‏

(26) معجم بلاثيوس. معجم الألفاظ الرومانصية. مدريد 1943م.‏

(27) كتاب الفلاحة لابن العوام. المقدمة ج1 –ص9.‏

(28) عمدة الطبيب ج1، ص74.‏

(29) عمدة الطبيب ج1، ص104.‏

(30) جالينوس: من أطباء الإغريق 110-200م) صنف العديد من كتب الطب التي اعتمدها الأطباء العرب والمسلمون في القرن الثالث الهجري.‏

(31) عمدة الطبيب ج1، ص105.‏

(32) عمدة الطبيب ج1، ص104.‏

(33) عمدة الطبيب ج1، ص43.‏

(34) القاقلي: نبات مالح كنبات الأشنان وهو من فصيلة الصليبيات عمدة الطبيب ج1، ص656. وهو غير القاقلة الهال). وقد يسمى القاقلي بالبقلة المالحة، والقطف البري والرغل. انظر كتاب الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب الذي حققناه. ج2 ص857 منشورات معهد التراث العلمي العربي بحلب 1408هـ-1988م.‏

(35) نط، بر = رموز تدل على اسم النبات في اللغة النبطية والبربرية. والمِلُن: هو الشمام أو البطيخ الأصفر.‏


اقرأ أيضا::


lug,lhj uk hf, hgodv hghafdgd ,;jhfi ul]mhg'fdf td luvtm hgkfhj>>>>u/lhx hgjhvdo hghafdgd ,;jhfi ul]mhg'fdf luvtm hgkfhju/lhx



رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدليلية (Tags)
الخير, الاشبيلي, وكتابه, عمدةالطبيب, معرفة, النباتعظماء, التاريخ


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


معلومات عن ابو الخير الاشبيلي وكتابه عمدةالطبيب في معرفة النبات....عظماء التاريخ

سياسةالخصوصية


الساعة الآن 08:28 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Content Relevant URLs by vBSEO